الخميس، 24 أبريل 2014

حلقة السمك بالأسكندريه



حلقة السمك بالأسكندريه
:::::::::::::::::::::::::::::::::::

«ألا أونا.. ألا دوي.. ألا تري».. نداءات تتعالى مع بزوغ الفجر في منطقة بحري الشهيرة بالإسكندرية، إنها صيحات تجار الأسماك المنبعثة من «حلقة السمك» أشهر وأقدم سوق للأسماك بالمدينة، منادين على أسماكهم الطازجة بأشكالها وألوانها المتعددة والتي لم تفارقها رائحة البحر، فيما تتفرسها عيون عشاق المأكولات البحرية.
تقع «حلقة السمك» في منطقة الجمرك بالأنفوشي، في مثلث عمراني مميز، فتجاورها قلعة قايتباي التاريخية، وعلى مقربة منها يقع قصر رأس التين العظيم الذي شهد رحيل آخر ملوك مصر الملك فاروق. وتعتبر «حلقة السمك» معلما أثريا، حيث شيدت في عام 1834م، إلا أن مبناها لم يعد يحمل تاريخ إنشائها، فكثير من آثاره محيت نتيجة عوامل التعرية، لكن يمكنك أن تتعرف على مكانها قبل أن تصل إليها عبر رائحة الأسماك النفاذة التي أصبحت تميز المنطقة. تمثل الحلقة فيلما وثائقيا عن حياة السكندريين الأصليين حيث كانوا يحترفون الصيد كمهنة أساسية،
وتعتبر حلقة السمك جزءا لا يتجزأ من تاريخ الإسكندرية، فهي لم تبارح مكانها منذ قرابة مائتي عام. تبدأ الحلقة نشاطها من مطلع الفجر وتستمر حركة البيع والشراء فيها على مدار اليوم بلا انقطاع. والطريف أن تسميتها لم تتم وفقا لتصميمها الهندسي المستطيل الذي يمتد أفقيا، وإنما جاء من وحي تجمع التجار والباعة الذي يأخذ شكل الحلقة حول طاولات الأسماك، التي تضم مختلف الأنواع من الأسماك الطازجة، وكل ما لذ وطاب من المأكولات البحرية. يتوافد على حلقة السمك أفواج من السائحين للاستمتاع بمشاهدة المزادات الساخنة فجرا، فعند دخولك من بوابة الحلقة ستجد مكانا يشبه الصالة، به فتحات تنفذ منها أشعة الشمس والهواء، تتراص فيها الأسماك بانتظام في انتظار من يزايد عليها،
وتصل الأسماك باكرا في الرابعة صباحا، على شاحنات تحملها من الميناء الشرقي المجاور للحلقة، وهي تضم حصيلة ما قام الصيادون بجمعه من مختلف السواحل السكندرية أو التي تأتي من الأقاليم المصرية، أو من البلاد المجاورة حيث يذهب أغلب الصيادين في رحلات صيد قرب الحدود مع ليبيا. يفتتح مزاد البيع، حيث ينادي القائم على المزاد بسعر محدد للكيلو، لنوع ما من الأسماك، ومن يزايد بسعر أعلى تكون «الشروة» من نصيبه، ويكون المزاد في ذروته من الساعة الرابعة فجرا وحتى الثامنة صباحا، حيث يخلو المكان تدريجيا من الزحام حتى تباع الطاولات المتبقية من المزاد على الرصيف وحتى الخامسة مساء، ولكن ينصح بشراء الأسماك في وقت باكر من 6 وحتى 9 صباحا ضمانا للطزاجة.
يقول الحاج أشرف رزيق شيخ الصيادين لـ «الشرق الأوسط» إن حلقة السمك هي ثاني أقدم سوق سمك بالإسكندرية فقد كان بالمدينة سوق آخر بـ «المنشية» يعرف باسم سوق السمك القديم، والذي يعود تاريخه لأواخر القرن السابع عشر، لكن أصبحت الحلقة بعد تأسيسها قبل 200 سنة هي السوق الرئيسي للسمك، وتقدر مساحتها بنحو 1900 متر، وهي تضم 20 تاجر أسماك.
وعقب عيد الأضحى شهدت الحلقة فرصة انتعاش كبرى بعد ركود انتابها طيلة أيام العيد حيث يفضل الكثيرون أكل اللحوم. يقول المعلم محمد علي جمعة، الشهير بـ«محمد زيزه»، «الحلقة في عيد الأضحى ما كنش فيها نفر، لكن أول ما خلص العيد، رجعت الزباين تاني. وعن مواسم انتعاش الحلقة يؤكد أن «أشد موسم للبيع هو الصيف لأن الأسعار بتقل في يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، لكن ترجع تزيد تاني بقوة في شهر رمضان». أما النسبة لأنواع الأسماك والمأكولات البحرية التي تباع في الحلقة، فهي تختلف من حيث الأحجام والأنواع وعلى أساسها تختلف الأسعار، وأيضا تختلف من موسم للتاني». ويؤكد زيزه أن الحلقة تعتمد بشكل كبير على أسماك البحر الأحمر في الفترة ما بين شهري سبتمبر (أيلول) وأبريل (نيسان)، وهو موسم النوات الجوية بالإسكندرية، وهي تؤثر بشكل كبير على حركة الصيد مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأسماك.
ويقول المسؤول الإداري عن الحلقة عماد محمد الصاوي، لـ«الشرق الأوسط» إن حلقة السمك إداريا تتبع الغرفة التجارية، وهي تعتبر سوق الجملة للأسماك، وتاريخيا، أشرف عليها الاحتلال البريطاني ثم آلت إلى الحي، وتم تطويرها عام 2000، وتم إسنادها للغرفة لتديرها، وقامت بتقسيمها إلى أماكن للجملة والتجزئة وأماكن للبائعين المتجولين، وهم يدفعون حق انتفاع شهري. وتضم الحلقة 17 باكية، و13 مخزن خدمات للتجار، وتوجد بها مخازن علوية في مبنى جديد متاخم لها يتم تخزين الأسماك فيها.
وللحلقة نظام إداري يحكم عملية البيع والشراء وينظم أماكن العرض فكما يقول الصاوي «يستأجر التاجر أو المعلم «باكية» وهي مساحة داخل الحلقة حوالي 90 مترا تقريبا، وهي بدون حواجز، ويقيم كل معلم مزادا على أسماكه، التي جلبها الصيادون التابعون له، على طاولات خاصة به وعليها علامة مميزة. ويعتبر الزبون الرئيسي بالحلقة هو بائع التجزئة، الذي ينتقي من بين أنواع الأسماك ليختار منها ما يشاء ويزايد عليها وعند فوزه بها ينقلها إلى المتجر الخاص به، كما يأتي تجار الأقاليم الأخرى لشراء الأسماك بالجملة، ويعد الخليجيون من أبرز العرب المتوافدين على الحلقة، خاصة هؤلاء الذين يعتبرون من محبي شراء الأسماك وطهوها بالطريقة السكندرية.
ولأن السمك يحتل الصدارة دوما على مائدة السكندريين، حيث يستهلكون كميات كبيرة منه فإن ما تجود به من سواحل عروس الثغر، لا يكفي هذا الولع، وحسبما يقول الصاوي «إذا اكتفينا به سيصل سعر الكيلو إلى أكثر من 100 جنيه، لذا نعتمد على ما يتم جلبه من الأقاليم الأخرى، والتي تسهم في سد احتياجات التصدير إلى أوروبا ولبنان».
يؤكد على هذا أيضا نائب رئيس شعبة الأسماك في الإسكندرية، محمد فؤاد عبد الفتاح، مشيرا إلى أن الحلقة تعتمد على الأسماك الواردة من الأقاليم مثل دمياط والبرلس والعريش ومطروح، ومن البحر الأحمر، لتباع بالجملة حيث تقف المراكب في السويس ويأتي السمك في عربات ليباع هنا، أما أسماك الإسكندرية فتأتي 6 صباحا، وينتهي المزاد في التاسعة والنصف. ويبدأ بعدها الباعة المتجولون في بيع أسماكهم حول الحلقة.
أما سنية المشهورة بـ «سنية البلطية»، فلا تخفي سعادتها بهذا اللقب الذي منحه لها تجار الحلقة، من قبيل الدعابة والود.. تقول سنية «مع شقشقة الفجر أهرول إلى الحلقة، وألقّط رزقي، وهو عبارة عن أنواع منتقاة من الأسماك، وفواكه البحر، يخصني بها حبايبي من التجار، وبأسعار معقولة، وأقوم ببيعها لعدد من محلات السمك والمطاعم الخاصة»..
وقبل أن أسألها عن أحوالها الاجتماعية تبتسم سنية وهي تقول «الحمد لله مستورة، وأسماكي أصبحت ماركة مسجلة». وفي ذاكرة الحلقة تتردد دائما حكاوى عن أشهر المعلمين الذين يعدون «رمانة ميزان» الحلقة، ومنهم قديما محمود بندقه، وحاليا محمود المالكي، ومحمد عبد الفتاح، والبطيخي، عبد العزيز علي جمعة، أولاد علي جانن، وأولاد المعلم البنا. ومن التجار: إبراهيم فراولة وسعيد كوانه ومراد السخاوي وغيرهم.
ومثل معظم الأماكن الأثرية بالإسكندرية ارتبطت الحلقة بالعديد من الخرافات، من أشهرها شرب دم الترسة، حيث كان مشهد الجموع المحتشدة حول بائعي الترسة البحرية مثيرا، فقد كان معظم أهالي الإسكندرية يعتقدون أن من يشرب دم الترسة يصبح أكثر خصوبة سواء كان ذكرا أو كانت أثني، وأنها تشفي من فقر الدم أو الأنيميا.
وعندما كانت تجلب الترسة من البحر كان أهالي بحري يتزاحمون عليها حيث يتم ذبحها بطريقة لها طقوس معينة، تتطلب قلبها على ظهرها، ثم يتم صب دمها في أكواب وتشرب في رشفة واحدة. إلا أنه تم منع ذبح الترسة حفاظا عليها من الانقراض ومنعا لانتشار هذه العادة السيئة والضارة صحيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة

أرشيف المدونة الإلكترونية