اكتست شواطئ مدينة غزة، بحلة جديدة جاءت ضيفة عليهم لأيام معدودة، رغم الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، منذ أكثر من ستة أعوام.
هذا الضيف هو سمك الوطواط الذي استفاق أهالي القطاع على رؤيته يملأ شاطئ البحر، حيث غزت الشاطئ المئات من أسماك هذا النوع، الذي يصفه المواطنون في غزة بالأكلة الشهية على موائد الطعام في البيوت، حيث يتوفر بكثرة وفي متناول كل الأسر فقيرة ومتوسطة وغنية.
وتدفق العشرات من المواطنين على شاطئ بحر مدينة غزة، مكان صيد أسماك الوطواط ليشتروها من الصيادين، الذين بدأوا يقطعونها إلى قطع صغيرة وبيعها للمواطنين على شاطئ البحر، قبيل نقلها للأسواق، التي امتلأت هي الأخرى بهذا النوع.
وصاد صيادو غزة المئات من أسماك الوطواط البحرية في سابقة نادرة، لم يروها منذ أكثر من ست سنوات، حيث لم يتمكنوا من صيد هذا النوع من الأسماك، والتي كان يأتي بها التجار عبر الأنفاق المنتشرة أسفل الشريط الحدودي مع مصر جنوب القطاع، ليبيعوها في السوق المحلية بغزة، بأسعار مرتفعة بسبب تكلفة العمال والنقل.
وتهافت على عملية صيد هذا النوع من الأسماك قرابة الخمسين صيادا بمراكبهم الصغيرة، مؤكدين أن هذا النوع من الأسماك البحرية هادئ جدا ويطفو على سطح البحر، ويتم اصطياده بسهولة ومن دون عقبات. وفقا لنقابة الصيادين في غزة.
وقال الصياد إياد المدهون في الأربعينات من عمره وهو يعمل تاجرا أيضا في بيع وشراء الأسماك لـ'وفا': 'سمك الوطواط هذا في صيادين يقولون عنه (حمار البحر) هذا السمك يأتي في شهر آذار، له اليوم ست سنوات ما طلع في البحر إلا السنة هذه، أنا تاجر كنت أجيبه من الأنفاق ونغرب له للعريش (مدينة ساحلية داخل مصر) وينشف ريقنا لمن نجيبه ونقوم بقصه نصين ويكلفنا من عمال ونقل، لكن اليوم الله سبحانه وتعالى وفر لنا إياه أن جاء على بحرنا في غزة، يكون في السنة موسمه من عشرة إلى خمسة عشر يوما في شهر آذار، وثم بنقطع (يختفي) لمين يعيش لشهر ثلاثة السنة الجاي'.
وأوضح المدهون الذي يقطن في مدينة غزة، أن سعر كيلو الوطواط ليس غالي الثمن يتراوح ما بين سبعة إلى عشرة شواقل في أحسن الأحوال، مضيفا: 'هذا الكيلو منه يباع بسبعة أو ثماني شواقل الغني يأكل والفقير يأكل الكل بمقدوره أن يأكله ويعمل منه صيادية برز وبندورة، وفي آخرين يعملوه قلي وببصل ونعمة من الكريم'.
'بعد العشرة أيام من الآن يأتي موسم السردينة (سمك السردين) وإن شاء الله بيدوم لهلغلابة، وزن الوحدة منه قائم من مائتين كيلوغرام إلى ثلاثمائة كيلوغرام، بيصفي مائة وخمسين مائة وثلاثين لحم سمك، قاصدين باب الله'، يضيف المدهون.
وأكد المدهون أن صيد سمك الوطواط سهل للغاية ولا يؤذي الصياد، بل هادئ جدا، 'صيده سهل في البحر غلبان يطيش على وجه اللنش (مركب الصيد) طيش والصياد ما بلاحق، يصيد بكميات كبيرة منه، وأحيانا نستخدم شبك خاص لصيده، عندما تكون الأجواء حارة شوب يطفو هذا السمك على وجه المياه'.
وتابع المدهون: 'كل صياد بيصيد عشرين، ثلاثين، خمسة، وفي ما بيلحق يصيد'، مشيرا إلى أن 'أول أمس سرحوا حوالي عشرين لنش، فقط لنشين صادوا، الليلة سرحوا وصادوا حوالي مائتي وعشرين سمكة هنا في مدينة غزة وحدها، وفي رفح صادوا خمسين وهكذا...يا عالم بكرة نصيد ولا لا، هذا السمك فائدة صحة بحت للإنسان، يا ريت كل يوم يطلع منه'، 'ني يؤكل يشرب دمه شرب!'.
المواطن عبد القادر أبو سلمية (28 عاما) ويعيل أسرة من ثمانية أفراد قال لـ'وفا': 'أنا أكلت هذا السمك، وفي الأكل ممتاز بنشتريه بكثرة عندي أفراد أسرة عددهم كبير، أسرتي ثمانية أفراد، وتوجهت من ساعات الصبح لأشتري سمك لأهلي والحمد لله وجبة بصراحة شهية'.
'وهذه أكلة شعبية نعمل منه صيادية ونأكل منه على مدار أيام لا نمل من أكله أبدا، وسعره رخيص في متناول الجميع سبعة شواقل ولا شي!'، يضيف أبو سلمية.
يشار إلى أن هذه الأسماك تعرف علميا باسم 'myliobatidae' ويسميها الأوروبيون 'ray eagle'، ويعود موطنها إلى المحيط الأطلسي.
وتصل أجنحة 'الوطاويط البحرية' إلى 180 سم، وتعيش على عمق من متر إلى 200 متر، بينما نظامها الغذائي يقوم على تصفية الرمل واصطياد القشريات والرخويات والديدان، التي تعيش تحت الرمال، بعد نكشها بعُرفها العريض، الذي يشبه المجرفة ما يتيح للأسماك الأخرى الصغيرة التي ترافقها على تناول الطعام معها مستفيدة من هذا 'النكش'.
ويعاني الصيادون في غزة، من انتهاكات يومية يتعرضون لها من قبل بحرية وزوارق الاحتلال في عرض بحر غزة، ما يمنعهم من جلب قوت أطفالهم بممارسة مهنتهم في صيد الأسماك.