أسمــــــــــاك عراقيـــــة مهـــددة بالإنقـــــراض
اشتهر العراق منذ القدم باسماكه لوجود الانهار والبحيرات والاهوار فيه ،واحتوت الرقم الطينية والمنحوتات والرسوم على اشكال سمكية وعمليات اصطيادها ووردت في اشعارهم ونذورهم ، فالبني والقطان والشانك والحمري والسمتي والزوري والزبيدي وانواع عديدة اخرى تحتل مواقع مهمة في مائدة العراقيين الا انها انحسرت في الاونة الاخيرة بسبب سياسات النظام السابق في تجفيف الاهوار وتقنين الاطلاقات المائية في دجلة والفرات من قبل دول المنبع – تركيا ،ايران – بالاضافة الى اتباع الصيادين طرق الصيد الجائر وغياب الرقابة الحكومية.
وقد اكد الخبراء على ضرورة الاستفادة من الانهار والمسطحات المائية في العراق والتي تبلغ مساحتها ثلاثة ملايين دونم والتي يمكن ان تنتج لو استغلت بشكل علمي ومنهجي اكثر من 300 الف طن من الاسماك سنويا ما يسهم في خفض اسعارها وكثرة انواعها،فضلا عن استغلال المياه الاقليمية .
صيد جائر
يقول ابو احمد احد باعة الاسماك في سوق الشواكة ببغداد ان هنالك انواعا رئيسة من الاسماك العراقية اختفت من الاسواق بسبب الممارسات الخاطئة التي يستخدمها بعض الصيادين كالسموم والمتفجرات والتي تقتل اعدادا كبيرة من الاسماك.
ويضيف ان عدم التزام الصيادين بتعليمات منع الصيد خلال موسم التكاثر مع عدم توفر الاعلاف والادوية وضعف المتابعة ،عوامل اخرى ادت الى اختفاء انواع كانت متوفرة بكثرة في المياه العراقية.
وعن اهم انواع الاسماك الموجودة في البلاد يؤكد ابو احمد ان اسماك الكارب الاعتيادي تشكل الجزء الاكبر من المحتوى السمكي لمسطحات المياه الداخلية للعراق ياتي بعدها الكطان والشبوط والبني والحمري والشلك والبز،فضلاً عن وجود اسماك اخرى غير اقتصادية كالخشني واللصاف وتتوفر بكثرة في المسطحات وسواحل الانهار الداخلية،اما الانواع البحرية فهي الهامور والبياح والزبيدي وبعض القشريات والروبيان.
المسكوف
ويعد طبق السمك المسكوف من اهم الاكلات الشعبية العراقية المميزة والتي تعتمد على شيّ السمك باستخدام الحطب.
ابو علي صاحب محل في ابي نؤاس لبيع وشيّ السمك يقول ان غالبية العراقيين معتادون على اكل السمك وخصوصاً المسكوف منه والمشوي في ايام العطل،غير ان ارتفاع سعره – 12 الف دينار للكيلوغرام من السمك الحي ،و4 الاف للمجمد منه – قلل من اقبال المواطنين عليه ،مطالبا المعنيين والمختصين برعاية الثروة السمكية والانتباه الى ظاهرة ارتفاع اسعارها ومعالجتها.
هيئة خدمية
رئيس مهندسين في قسم الدراسات التابعة للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية فوزي حسن اكد ان الدائرة تقوم بمهام خدمية وتشرف على قطاع الثروة السمكية في العراق باستثناء اقليم كردستان وتقدم الخدمات المجانية للمستثمرين فضلا عن بيع جزء بسيط من الاصبعيات للمربين بأسعار تشجيعية، الى جانب تأجير المسطحات المائية لمنع الصيد الجائر عن طريق الكهرباء والسموم والشباك غير القانونية، مشيرا الى انه تم تاجير هور الدلمج في منطقة الديوانية فقط والباقي 22 مسطحا مائيا وتشمل اهوار المنطقة الجنوبية والوسطى التي لايمكن تأجيرها بسبب الوضع الامني والعشائري والاجتماعي الذي يسيطر عليها.
واضاف حسن "ان الهيئة ترفد هذه المسطحات بالاصبعيات سنويا ولديها اربعة مفاقس في محافظات واسط والبصرة وميسان ونينوى ومهمتها تكثير الاسماك العراقية واسماك الكارب وتطلق هذه الاصبعيات بحجم 1ـ 2 غرام في الاهوار"، مبدياً اسفه لعدم تطور الثروة السمكية بسبب موت الاصبعيات وصغار الاسماك نتيجة الصيد الجائر ، وبسبب شحة المياه في نهري دجلة والفرات والتي تعود الى سياسات دول المنبع.
وبين ان الهيئة استوردت وبدعم من الدول المانحة مستعمرتين لاكثار الاسماك وهما عبارة عن اقفاص عائمة في مجاري الانهار تم نصب الاولى في نهر دجلة - واسط قرب سدة الكوت والثانية في نهر الفرات -سدة الهندية قرب كربلاء ،لافتا الى ان هذه الاقفاص ارشادية لتشجيع الفلاحين على تصنيعها والاستفادة منها في اكثار الاسماك. وتابع حسن "انه تم استحداث تقنية تربية الاسماك بالاحواض المغلقة حيث تحتاج الى مساحة صغيرة تتراوح بين 200ـ300 متر ، يتم انشاء احواض كونكريتية او حديدية ويتم تكثير الاسماك فيها وتمتاز بالانتاج الوفير، وهذا المشروع يتم تجربته في الصويرة وعند نجاح التجربة ستعمم على القطاع الخاص، مشيرا الى ان هناك فكرة باستيراد 10 انظمة من هذا المشروع يتم توزيعها بين المربين او شركات القطاع الخاص".
انقراض الأسماك
ونبه حسن الى ان زيادة ملوحة المسطحات المائية والصيد الجائر ستؤديان الى شبه انقراض لبعض انواع الاسماك ومنها الكطان والبني والشبوط ، موضحا ان الهيئة قامت بتكثير اسماك البني من خلال تنفيذ مشروع ستراتيجي(مشروع اقلمة الاسماك العراقية لمدة 6 سنوات ) وهي بصدد ايجاد امهات هذه الاسماك وتكثيرها بمفاقس الدولة واطلاقها في المسطحات المائية.
وبين ان الوضع الامني اثر على عمل الهيئة في سنوات 2004 ـ2005 ، مؤكدا ان الهيئة وبعد انشاء مفاقس جديدة عام 2005 اطلقت 37 مليون اصبعية في المسطحات المائية ،غير ان الانتاج ليس بمستوى الطموح.
مفاقس
مدير التخطيط والمتابعة سداد طلعت عبد الحكيم اكد ان الهيئة انشأت اربعة مفاقس لانتاج اصبعيات الاسماك منذ 2007 في البصرة والمشرح والموصل والصويرة بطاقات انتاجية تتراوح من مليون اصبعية ولغاية 10 ملايين اصبعية ،بالاضافة الى مشاريع اخرى ستدخل في الانتاج بداية عام 2012 منها مشروع الميمونة في محافظة ميسان، مشيرا الى ان الهيئة باعت 6 ملايين اصبعية الى اصحاب المزارع السمكية بأسعار مدعومة، اما باقي الاصبعيات فتم اطلاقها في المسطحات المائية والاهوار.
تقارير
وتذكر التقارير المتوفرة في وزارة التخطيط والتعاون الانمائي ان انتاج الثروة السمكية قد انخفض من 36 الفا و935 طنا عام 1997 الى 25 الفا و998 طنا عام 2001 بسبب تجفيف الاهوار وانخفاض مناسيب المياه،مشيرة الى ان انتاج العراق من الثروة السمكية عام 2005 بلغ 25 الفا و600 طن فقط أي بقدر ماتنتجه الصومال واقل 40 مرة مما تنتجه مصر، حيث تشير تقارير منظمة الزراعة والاغذية الى ان الطاقة الاجمالية لانتاج الاسماك في المياه العذبة اخذت بالهبوط المستمر حيث تراوحت مابين 13.6 و12.3 الف طن بين عامي 2000 و2004.
ويؤكد تقرير منظمة الزراعة والاغذية FAO ان عدد المزارع السمكية في العراق بلغ 1787 مزرعة لغاية 2003،فيما بلغ عدد المشاريع في شمال العراق 178 مزرعة سمكية و1609 مزارع في وسط وجنوب العراق والصنف الرئيسي لأسماك التربية هو الكارب العادي،ويأتي بعده الكارب العشبي ثم الكارب الفضي.
في حين تتوزع مفاقس تكثير الاسماك في العراق على مفقس اسماك الصويرة المركزي ومفاقس اسماك اربيل والسليمانية حيث يحتوي كل مفقس على 80 حاضنة،الطاقة الانتاجية للمفقسين تبلغ حوالي 15 مليون يرقة،اما المفاقس الاهلية ومجموعها في انحاء العراق 24 مفقساً لغاية 2003 فتضم 749 حاضنة معدل طاقتها الانتاجية 129 مليون يرقة.
اما مسح مزارع الاسماك لعام 2008 فقد قدر العدد الكلي لمزارع الاسماك في العراق بنحو 2712 مزرعة،وقدر عدد مزارع الاسماك المنتجة فعلاً بنحو 1509 منها 1428 مزرعة منتجة للاسماك و15 مزرعة منتجة للاصبعيات و66 مزرعة منتجة للاسماك والاصبعيات،وقدر المسح كمية الاسماك المباعة بـ19 الفا و638 طنا ومتوسط سعر الكيلو غرام الواحد من الاسماك 3768 دينارا في جميع المحافظات باستثناء اقليم كردستان.
وعن اهم المشاكل التي يعاني منها اصحاب مزارع الاسماك فقد افاد المسح بان قلة الاعلاف شكلت مانسبته 24.9 بالمئة تليها مشكلة نقص المياه وتدهور نوعيتها 19.3 بالمئة وشكل عدم منح الرخص لممارسة مهنة الصيد والطيور التي تقتات على الاسماك وانتشار الامراض نسبة 18.6 بالمئة.
أزمات
في حين يؤكد الخبير في مجال الثروة السمكية الدكتور مصدق دلفي ان الثروة السمكية تعرضت لكثير من الازمات منذ عام 1991 حيث فقدنا 50% من الثروة السمكية بعد تجفيف الاهوار، فضلا عن انشاء سدود ونقلت الاسماك الى المزارع الخاصة، وبعد عام 2003 كان المتبقي من الثروة السمكية 20% من الناتج الكلي اذ ينتج من 3-4 كيلو غرام في بالدونم الواحد وهي قليلة مقارنة بالنسبة التقليدية فكان الناتج يتراوح بين 80-140 كيلو غرام بالدونم الواحد.
وافاد بانه تم العمل بالنظام الصيني الذي يعتمد على اقفاص الامر الذي يوفر في كمية المياه اذ يحتاج الى ماء اقل والذي بامكانه انتاج 25 ـ 50 كيلو غرام بالمتر الواحد في حين ينتج الحوض الطيني في كل مترين ونصف المتر كيلو غرام واحدا، لافتا الى ان المشاكل مع الكويت وايران اثرت على الثروة السمكية فلا توجد حدود اقليمية من شأنها حماية الاسماك العراقية. وزاد دلفي ان من المشاكل التي اثرت سلبا على انتاج الثروة السمكية هي عدم توفر بيئة مائية مناسبة للاسماك وشحة المياه وقلة الاوكسجين والملوثات من الاسمدة ونفايات المستشفيات والمنازل وارتفاع نسبة الملوحة، اذ تحتاج الاسماك الى مياه شبه مالحة لاتتجاوز نسبتها 14 ـ 16 %، ونسبة الملوحة في مياه شط العرب او المياه الساحلية العراقية تتجاوز 36 ـ 38 جزءا بالمليون، بالاضافة الى مشكلة عدم وجود ميناء ينظم عمل الصيادين تتوفر فيه مخازن وتبريد ومحطة وقود ومعمل ثلج ومراقبة لتحديد كميات الصيد وحركة العمال.
أسعار مرتفعة
وارجع الخبير الزراعي عادل المختار ارتفاع اسعار الاسماك في الاسواق الى اعتماد وزارة الزراعة على القطاع الخاص في تربية الاسماك في البحيرات وكونها – الاسماك - تحتاج الى علف وادوية وعمال خدمات وادارة وتسويق.
واشار الى ان العراق فيه نهران عظيمان مع احد عشر مسطحا مائيا كالثرثار والحبانية والرزازة ودربندخان ودوكان، اضافة الى الاهوار والمياه الاقليمية والتي تمتد على طول900 كيلومتر مربع في شط العرب والخليج، بالاضافة الى منفذ خارجي للصيد في اعالي المحيطات،منوها بان البلاد لو اعتمدت على تكثير الاسماك في الانهر والمسطحات المائية فان ذلك سيؤدي الى انخفاض كلف المعيشة.وقال المختار " ان العراق لديه اكثر من 3 ملايين دونم مسطحات مائية أي من الممكن ان ننتج اكثر من 300 الف طن من الاسماك سنويا، لكن حاليا يبلغ انتاج الوزارة بين 20ـ 40 الفا في احسن الظروف، منوها بان هذا التطور لو استثمر بالشكل الصحيح لكانت تكلفة انتاج الاسماك زهيدة ما يؤثر على دخل المواطن الذي سيكون مرتفعا وجيدا جداً".
وبخصوص موضوع الصيد في اعالي المحيطات يؤكد المختار ان هنالك سفنا تقوم بالاصطياد من الخارج وكل واحدة منها تاتي بـ2500 طن شهرياً، مبيناً ان الحل في ذلك هو تكثير وتنمية الاسماك في الانهر والمسطحات المائية.
ودعا بان يكون هور الدلمج محمية للاسماك العراقية بدلاً من تأجيره بـ20 مليون دينار سنوياً، مؤكداً على ضرورة تنمية الاسماك في الاهوار والمسطحات المائية، لافتا الى ان هنالك بعض الانواع كالكراز والسلفر ينقي للمياه ويجب اطلاقه في المياه، فاما النوعية الاولى فتقوم باكل الاعشاب والنباتات الخضراء في الانهر وهذه جميعها تؤثر على كلفة الانتاج بشكل ايجابي ما يجعلها رخيصة جداً.
وطالب الخبير الزراعي بضرورة تفعيل اتفاقية انضمام جمهورية العراق الى اتفاق الهيئة الاقليمية لمصائد الاسماك لغرض التنسيق مع الدول المجاورة لتنظيم الصيد البحري في المياه الاقليمية والمجاورة.